من الرائع فعلا الانتماء إلى مجتمع يسعى للحفاظ وبكل حرص على وحدته وثقافته وهويته ،ينتظر بكل شغف أي مناسبة وطنية أو دينية لاستحضار عادات و طقوس ترسّخت في الذاكرة الجماعية و الفردية منذ قرون فصنعت تاريخها وحاضرها،حتى صارت جزءا من شخصية الأمة المحافظة. هو المجتمع الجزائري الذي مهما تطبّع و تأثّر بالعولمة والثقافات الغربية والأجنبية التي ساقتها إلينا وسائل التواصل الاجتماعي المقتحمة للبيوت والعقول، لن ينسى طبعه وينسلخ من هويته العربية المسلمة،فلا شكّ أن إحياء عادات وتقاليد الأجيال السابقة خلال الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك لدليل قويّ على تمسّك هذا المجتمع الفريد في تركيبته بأصالته ،وليس هذا فحسب فهي بالنسبة له الفخر والاعتزاز ،فاستعمال الأواني التقليدية في مائدة رمضان مثلا هو الرفاه و التحضّر بعينه و المرأة التي تتعمّد إحياء طقوس رمضان لتُحبب الصيام لأبنائها هي أم ذكيّة متحضّرة ،فرمضان كان وسيبقى مناسبة دينية تستقبلها العائلات بكل حرص و اهتمام .فتسبق التحضيرات الشهر الفضيل بأيام أو أسابيع من إعداد التوابل والخلطات والنكهات التقليدية وتنظيف البيت وتزيينه وإخراج أجمل الأواني وأجودها من الخزائن لتجهيز مائدة الإفطار .ومن العادات أيضا شراء الأواني الجديدة فتُكرم ربّة البيت أفراد عائلتها في رمضان تماما كإكرامها لضيوفها أو أفضل ،فهذا الشهر ليس كالبقية، هو شهر لجمع الحسنات بالعبادة والصلاة وقراءة القرآن وصلة الرحم و لمّ شمل العائلة التي تُشتتها هموم الدنيا ومشاغلها طوال السنة. و من الرائع أيضا أن نجد سكان بعض الولايات متمسكين بعادات اندثرت بمناطق أخرى من الوطن، فالمسحراتي لا يزال حاضرا بأدرار للتذكير بمواقيت الإفطار و الإمساك و الصلاة، في زمن صار فيه سكان المدن يعتمدون على جرس الإنذار الذي تبعثه تطبيقات المحمول .تقاليد صيام الطفل لأول مرّة لا تزال راسخة هي الأخرى فتجعل غيره يُسارعون في تقليده حتى يحظوا بقطعة الذهب و الشراب المعدّ خصيصا لهذه المناسبة ،وهناك تقاليد أخرى كثيرة لا تكفي مجلدات لجردها و إحصائها ،وهذا التنوع هو سمة المجتمع الجزائري الذي حيثما حلّ الواحد منّا وجدنا زخما كبيرا من التقاليد الجميلة المميزة لكل منطقة .
