أوّل ما يراه الزائر للجزائر العاصمة هي مئذنة مسجد الجزائر التي يبلغ طولها 265 متر بزخرفتها الهندسية الراقية، فخامة وشماخة تبرز العمق التاريخي والحضاري الذي يحمله المسجد الأعظم في كافة أجزائه من أبسطها إلى أعقدها ...، مسجد الجزائر يعتبر من أكبر المساجد في العالم، حيث صنّف في المرتبة الثالثة بعد المسجد الحرام بمكة المكرّمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنوّرة، وهو القبلة الأولى بامتياز للسياح المسلمين والأجانب باعتباره معلما دينيا وحضاريا ومنارة للإشعاع العملي والفكري ومنبرا للمرجعية الدينية والفكرية الأصيلة.يتربّع مسجد الجزائر على مساحة 30 هكتارا، خصص منها 400 ألف متر مربع، ويضم 12 بناية، جناح الإمام، وقاعة الصلاة التي تتسع لـ 120 ألف مصلي، ويمكنها استيعاب 36 ألف مصلي، بالإضافة إلى مدرسة قرآنية ومتحف للفنون والتاريخ الإسلامي، فضلا عن مركز أبحاث لتاريخ الجزائر، وكذا مركز ثقافي ومكتبة تستوعب 1 مليون كتاب وتستقبل 3400 زائر، إضافة إلى دار القرآن التي تتكون من 1500 مقعدا موجها للطلبة الجزائريين والأجانب ما بعد التدرج، وذلك في العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية، حيث تضم المدرسة قاعات لإلقاء الدروس وقاعة متعددة الوسائط وقاعة أخرى للمحاضرات وكذا إقامة داخلية، ومصلحة لاستغلال وترميم المخطوطات، إضافة إلى المنارة التي تضم عدة مرافق ملحقة، وفي الطابق الأرضي يضم جامع الجزائر 1174 مضاءة و 285 حماما، إلى جانب المرافق الحيوية على غرار دار الحضانة ومباني للحماية المدنية والأمن ومحلات تجارية ووكالة بريدية، بالإضافة إلى مئذنته التي تتشكل من 43 طابقا علويا وطابقين أرضيين، وقد خُصص 15 منها كفضاء لاحتضان متحف يخص تاريخ الجزائر و 10 طوابق أخرى كمراكز للبحوث، بالإضافة إلى الصومعة والمحلات التجارية، كما تمّ وضع في القمة منظار يُمكن الزوار من الاستمتاع بجمال خليج الجزائر العاصمة.ولعلّ أول ما يجلب اهتمام المارين من أمام المسجد، هي الهندسة المعمارية المغاربية والأندلسية القديمة التي أبدعت فيها أنامل المهندسين والمخططين في كتابة وزخرفة آيات الله، سواء تعلّق الأمر من داخل أو خارج المسجد وكذا بمختلف المباني المحاذية له والتابعة لهذا الصرح الديني والعلمي العريق...، وزخرفة مسجد الجزائر الأعظم، ثالث أكبر مسجد في العالم، لها دلالتها وتاريخها، وتحكي كل واحدة منها قصة معيّنة، تحفة أبدع فيها المهندسون من خلال زخرفتهم للخط العربي بمختلف أنواعه والفن المنمنمات الهندسية المنبثقة من عراقة الخط العربي الأصيل ...، كما تمثل الزخارف، وجزائرية أصيلة، وتمثل آخر زخرفة في قصر الحمراء، حيث تم اقتباسها لاستحضار التراث الزخرفي العربي الإسلامي، والمغاربي الأندلسي.
والزائر لمسجد الجزائر يمكنه الدخول والخروج منه عبر عديد الأبواب المصمّمة على الطريقة الجزائرية الأصيلة، حيث اختارت السلطات العمومية أن يكون المسجد الكبير جزائريا أصيلا يمتد في عراقته لأزمنة التراث لمغاربي الأندلسي...، هذه الأبواب التي تقف شامخة شموخ الجزائر، حمل الباب الكبير للمسجد، اسم سيدي بومدين، تبركا بهذا الولي الصالح الذي عاش بالأندلس، وحملت الأبواب الفرعية الأربعة تسميات: باب النصر شمال المسجد، باب المحمدية جنوب المسجد، باب الفتح، وباب المصالحة.في حين صممت الثريا على شكل "مسبحة"، حيث تم زخرفتها على هذه الوسيلة للتسبيح والتحميد بمعدل 33 لؤلؤة لكل واحدة منها، حيث تزن 9 أطنان ونصف بقطر 13 متر، بها 357 قطعة بلور لكسر خطوط النور.
أما السجاد، فيرمز إلى وحدة الجزائر، حيث نجد فيه 29 زربية، تمثل 23 ولاية، وكل زخرفة منها تمثل منطقة، تبرز الهويّة الجزائرية الأصيلة، كما تم تصميم المحراب بـ 5 أنواع من الرخام، أما المنبر، فقد تم إنجازه بخشب البلوط والصدف الطبيعي ويبلغ 7 أمتار، ويشبه في تصميمه إلى حد كبير منبر المسجد الكبير بالجزائر العاصمة، وذلك في هندسته وأيضا من خلال الإخفاء في الطابق السفلي، كما يتميز محراب مسجد الجزائر الأعظم بحجمه الكبير، كما تم انجازه من الرخام والجبس المتعدد الألوان، بلمسات فنية تعكس الزخرفة الجزائرية الأصيلة، كما يتضمن المحراب أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين.
وتتوسط قاعة الصلاة بجامع الجزائر قبة يبلغ قطرها 50 مترا، وقد استمد تصميمها من المعمار الإسلامي المغاربي في عهد المرابطين، والناظر إليها من الخارج سيجدها قد غلفت وفق هندسة تقليدية تبعث بأضواء قاعة الصلاة ليلاً إلى الخارج، وتسمح بدخول أشعة الشمس نهارا إلى داخل قاعة الصلاة، وهذا عن طريق الجدارين اللذين يحتويان على فتوحات.
كما يحتوي مسجد الجزائر على هياكل أخرى كـ "دار القرآن" وهو معهد للتكوين يمكنه استيعاب 300 طالب، حيث به 300 غرفة و15 أخرى للأساتذة، كما تظم دار القرآن قاعات للدروس والمحاضرات، أيضا مرفقا للجانب الإداري، كما توجد في دار القران عيادة طبية، ويوجد كذلك به مركزا ثقافيا، يتكون من مكتبة كبيرة وقاعة للمحاضرات التي يمكنها استقبال 1500 مشارك، ويمكن تقسيم قاعة المحاضرات إلى قاعتين، كما يتكون المركز من ثلاث مباني الأول مخصص للإدارة والثاني والثالث مخصص لاستقبال الزوار والوافدين، مقسمين إلى ثلاثة أقسام بيداغوجية: قسم الآداب وقسم للعلوم وقسم السمعي البصري.
ولعلّ ما زاد من جمال المسجد هي الحدائق الإسلامية التي صمّمت بداخله على الطراز الإسلامي، يجد فيها الزائر ضالته وذلك على امتداد 14 هكتارا، أشجار ومساحات خضراء، و3 هكتارات منها قسمت إلى 18 حديقة صغيرة مغروسة بأشجار مثمرة ومذكورة في القرآن الكريم، وبجانبها منابع ونافورات مائية جميلة، وكلّ حديقة متميزة وتختلف عن الأخرى باختلاف النباتات والأشجار المغروسة فيها.
تحفة معمارية فريدة من نوعها لا يمكن للداخل للعاصمة أن لا يتوقّف عندها لما تحمله من معاني العراقة والأصالة والمعاصرة في نفس الوقت ...، الدخول لمسجد الجزائر أصبح اليوم متاحا بعد أن وضع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، هذه الجوهرة بين يدي المواطنين حيث شاءت الأقدار أن تقام أوّل صلاة جمعة فيه منذ أيام قلائل فقط ليتسنى لجموع المصلين أداء صلاة التراويح خلال الشهر الكريم، لتفتتح منارة جديدة للعلم والعلماء في الجزائر وتحفة معمارية للزوار من العالم العربي الإسلامي، وحتى للأجانب الذين يريدون اكتشاف عراقة وشموخ الجزائر.
