برهنت الجزائر مرة أخرى على جاهزيتها ووفائها لتقاليدها الراسخة فيما يتعلق بالتضامن الدولي، وعلى الأخص في مجابهة الكوارث الطبيعة، برد فعلها السريع إزاء الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا منتصف الأسبوع الماضي، وإرسالها منذ الساعات الأولى لحدوثه فريقا من أحسن ما أنجبت مصالح الحماية المدنية، للمشاركة في عمليات الإنقاذ والبحث عن المفقودين تحت الأنقاض، بدليل افتكاكه المرتبة الأولى، حسبما جاء في منصة تنسيق العمليات الميدانية التابعة للمجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ.
كما قامت السلطات العليا في البلاد بتخصيص طائرات عسكرية محمّلة بالمئونة والدواء، حلقت فور وقوع الكارثة نحو سوريا وتركيا، فيما أقر رئيس الجمهورية أمس الأول مساعدة مالية للدولتين.
وليس هذا بالأمر الغريب على بلد مثل الجزائر، التي كانت دوما إلى جانب المستضعفين والمكلومين في العالم، وضمّنت مبادئها الثابتة في التضامن دساتيرها التي هي أسمى وثيقة في الدولة، بل أبدت نيتها الصادقة في مرافقة الشعوب التي تحتاج إلى المساعدة، حتى وهي ترزخ تحت نير المستعمر الغاشم، من خلال ما جاء في بيان أول نوفمبر 1954، وأيضا ضمن أول وثيقة للجزائر المستقلة وهي ميثاق طرابلس 1962.
مبادئ ثابتة والتزام بالمواثيق
بينما سارعت غداة استقلالها إلى التوقيع على مختلف المعاهدات الدولية التي تمثل الشق الإنساني للدولة الجزائرية، بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مرورا باتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وصولا إلى اتفاقيات جنيف الأربعة، وما يترتب عنها من تعاون دولي في مجالات تتعلق بالأشخاص.
ولا تقتصر الجزائر على تقديم المساعدات الإنسانية فقط، بل تعمل دوما على البحث عن السبل الكفيلة لتحقيق العيش بسلام، من خلال استشرافها لحلول مستقبلية للأزمات كيفما كان نوعها، فقد كانت سباقة في الدعوة إلى إنشاء صناديق خاصة لتسيير الكوارث الطبيعية، بإشراك البلدان الغنية، قصد ضمان تنسيق أفضل في الأوضاع الاستعجالية، الناجمة عن الكوارث الطبيعية.
نظرة استشرافية لآلية افريقية للتأهب للكوارث الطبيعية
كما حظي الاقتراح الذي قدمه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بمناسبة مشاركته في الاجتماع المنعقد على مستوى رؤساء الدول والحكومات بتقنية التواصل المرئي عن بعد في أكتوبر 2021، القاضي باستحداث آلية افريقية للتأهب للكوارث الطبيعية والاستجابة لها ترحيبا من قبل الدول المشاركة، وتمت المصادقة عليه في مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في مالابو بغينيا الاستوائية في ماي 2022.
وكان رئيس الجمهورية قد دعا في مضمون اقتراحه هذا إلى إنشاء قوة مدنية قارية، للتأهب للكوارث الطبيعية والاستجابة لها، وقادرة على "ضمان تكفل فعلي وآني"، وأيضا "تقديم الدعم الضروري للبلدان الإفريقية المتضررة" من الكوارث الطبيعية، في نظرة استشرافية، الهدف منها "دعم الحلول الإفريقية لمشاكل القارة"، وجعلها قادرة على التكفل بنفسها.
وفي ذات السياق استضافت الجزائر شهر أكتوبر الماضي الدورة 18 لفريق العمل الإفريقية، حول "الحد من مخاطر الكوارث"، تم فيه المصادقة أيضا وبالإجماع على اقتراح الجزائر حول إنشاء آلية إقليمية لمواجهة المخاطر الكبرى مع تقديم 12 توصية، واحتضنت في ديسمبر المنصرم اجتماع رؤساء الحماية المدنية وإدارة مخاطر الكوارث الكبرى للاتحاد الأفريقي، الذي تم تكريسه لاستحداث هذه الآلية الإفريقية.
