لما نتحدث عن منابر العلم المعروفة في الوطن العربي أو الإسلامي لا يمكن أن تفوتنا الفرصة لنعرج على إحدى المدارس التي لعبت دورا كبير في تنشئة جيل تربى على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وحافظ على هويته الوطنية كيف لا والفضل في إنشائها يعود للعلامة عبد الحميد بن باديس،ألا وهي "مدرسة دار الحديث" الواقعة بوسط مدينة تلمسان والتي لا تزال إلى غاية وقتنا الحالي تحافظ على مبادئها من خلال المسجد، أو المدرسة المختصة في تلقين الناشئة مبادئ اللغة العربية ، وتحفيظهم القرآن الكريم ،والحديث النبوي الشريف حيث يسهر القائمون عليها لمواصلة حمل الشعلة التي تركتها جمعية العلماء المسلمين أمانة في أعناقهم ، وإتمام المهمة التي تركها لهم الشيوخ الذين وضعوا حجر الأساس لهذه المدرسة في فترة الثلاثينيات،انطلاقا من المبدأ الذي كانت تهدف إليه جمعية العلماء والمتمثل في إنشاء مدارس لا تمت بصلة للاستعمار الفرنسي للحفاظ على الهوية الوطنية ، إذ يرجع الإرهاص الأول لبناء دار الحديث إلى 1934 بفضل الشيخ البشير الإبراهيمي ،والجمعية الدينية الإسلامية التي تأسست في شهر سبتمبر 1931 برئاسة المحامي عبد السلام طالب ،
*قدمت المدرسة العديد من تلاميذها للثورة ومنهم الشهيد العقيد لطفي
تم الاتفاق خلال أشغال الجمعية العامة التي عقدت شهر ديسمبر 1934 على السماح للجمعية بالحصول على قطعة أرض، وتحديد أعضاء اللجنة الذين وصل عددهم إلى 32 عضوا هذا زيادة على العديد من الأمور الهامة ، ليتم في سنة 1935 شراء قطعة أرض موجودة بوسط المدينة يروى أنها كانت ملك ليهودي ،وهو الأمر الذي جعل اليهود يحاولون مراوغة أعضاء الجمعية لأنهم كانوا يعلمون الدور الفعال التي ستلعبه المدرسة في نشر تعاليم الدين الحنيف ،بعرضهم قطعة أخرى على أعضاء الجمعية تقع خارج المدينة لكن حيلهم لم تنطبق على العلامة البشير الإبراهيمي، لتنطلق أعمال التشييد في 17 فبراير 1936 بمشاركة جميع أهالي المدينة كل حسب طاقته لينجحوا في إنشاء مدرسة لا تزال لحد الآن مفخرة للعالم الإسلامي بفعل دورها وهندستها المعمارية الإسلامية. دشنها رئيس جمعية العلماء المسلمين في 27 سبتمبر1937 ، وذلك في يوم مشهود عرف توافد الناس من كل القطر الجزائري إذ قدر عددهم بأكثر من 3000 شخص أرادوا إلاّ أن يلتقوا بالشيخ عبد الحميد بن باديس وأقرانه من دعاة الإصلاح في صورة الشيخ العربي تبسي ،مبارك الميلي وغيرهم من رفقاء دربه، لتنطلق بعد حفل التدشين المدرسة في نشاطها رغم ما تعرضت له من طرف الاستعمار الغاشم الذي كان يهدف إلى طمس معلمها إذ تم غلقها في 1938 وبعد شهور قليلة أعيد فتحها. وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية توقّفت عن النشاط ثم أعيد فتحها سنة 1943 فاستأنفت نشاطها وقدمت المدرسة عددا كبيرا من تلامذتها إلى الثورة التحريرية واستشهد البعض ومنهم الشهيد علي بودغن المعروف بالعقيد لطفي قائد الولاية الخامسة ،و الشهيدة ملحية حميدو والبقية ممن ضحوا بنفوسهم في سبيل الوطن.
