ضاق المستهلك ذرعا من التلاعب بحقوقه والحجر على أمواله حتى أصابه من الضرر ما أهلك قدرته الشرائية التي لم تعد تقاوم الصدمات كما كانت في السابق ،فقواها انهارت وعزيمتها خارت أمام سلطة وجبروت من يسيّرون الأسواق ويُديرون مفاتيحها، فيُمسكون السلع ثم يطلقونها ويزايدون في أسعارها بلا رادع أو سلطان.على أهوائهم يخلقون الندرة وعلى موازينهم تُحدد الأسعار وتُفرض الزيادات. وتبقى القدرة الشرائية بين هؤلاء تتقاذف ،فتسقط مرّة وتنهار مرارا لأن مفعول الغلاء على المواطن صار كالأمواج العاتية في بحر هائج تتوالى وتتلاطم فوقه دون أن تمنحه القدرة على إخراج رأسه من الماء والتقاط بعض أنفاسه.الزيادات المتتالية لم تعد بسيطة بالقدر الذي تمنح المستهلك قوّة التحمل بل صارت مزايدات في مزاد علني بلا أيّ ضوابط .نار الغلاء التي لم تعد تفرّق بين ميسور أو فقير حتى غيّرت عاداتهم وطباعهم ووصل لهيبها إلى التاجر نفسه ،أخذت في الآونة الأخيرة أوجها وأشكالا مختلفة ،فطوّرت أساليبها لتصير أكثر عداء وكيدا للمواطن.فبعدما اعتاد على نموذج ثابت للمضاربة الذي يعتمد في الأساس على رفع أسعار مواد استهلاكية معينة في فترات معهودة ومناسبات محددة ،اختلطت عليه الأمور وأُجبر على مواجهة التضخم من كل الجبهات ،فأينما ولّى وجهه إلاّ وسيلقى ما يسوؤه من ارتفاع كبير وغير مفهوم للأسعار.لقد فقد الأمل فعلا في استهلاك الأسماك التي بلغت بعض أنواعها كالجمبري، سعر الذهب .وكذلك اللحوم جُنّت أثمانها هي الأخرى حتى لحق الدجاج والبطاطا ومختلف الخضر والفواكه بالركب الذي صار يسع أيضا للزيت والحليب والسكر والبقول والعجائن.القائمة طويلة وتضم مواد أخرى غلت أثمانها رغم أنها ليست من أساسيات مائدة الإفطار، فقاطعها الكثير من الصائمين ليس عملا بسيرة السلف وإنما لكونها بعيدة المرمى وستزيد وطأة العبء على المُعيل.قبل حلول الشهر الفضيل تمنّى المواطن خيرا في عودة الرحمة إلى قلوب التجار وبأن الرقابة ستكون للمتحايلين والمتلاعبين بقوانين التجارة بالمرصاد ،ويكون لمبادرات دعم الأسواق بالمواد الغذائية وقع إيجابي فتُوقف جماح الأسعار،لكن شيئا من ذلك لم يتحقق وبقيت كلمة التاجر هي العليا،ولم يشفع للصائمين شكواهم، ولا للجمعيات المنددة بهذا الوضع وقع على أحوال السوق ولا حتى على أجهزة الرقابة ،لأن القضية بما فيها مرتبطة بقانون حرية الأسعار ومبدأ المنافسة الذي وجب اليوم إعادة النظر فيه كي تسترجع الوصاية وصايتها على السوق من جديد.
