الجمهورية ترافق الحماية المدنية في يومها العالمي

رجال المهام النبيلة ... تضحيات من أجل الغير

رجال المهام النبيلة ... تضحيات من أجل الغير
الحدث
رافقت أمس بعثة جريدة الجمهورية ملائكة الأرض، الذين إحتفلوا باليوم العالمي للحماية المدنية المصادف للفاتح مارس من كل سنة، وهذا تحت شعار "الحماية المدنية وإدارة السكان المرحلين في زمن الكوارث الطبيعية والأزمات والمتطوعين في مكافحة الأوبئة"، حيث تمكنا من معايشة جزء من الوجه الآخر لرجال ونساء المهام النبيلة، الذين يقدمون على الموت بصدر رحب، ويجازفون بأنفسهم بين النيران والفياضانات وتحت الأنقاض من أجل إنقاذ أرواح بريئة، هي في حاجة إلى اليد التي يمدها هؤلاء لهم لتعيدهم إلى الحياة من جديد. فعلى مستوى مقر وحدة الشهيد علي موسى ببلاطو التي نظمت أمس على غرار باقي وحدات المديرية الولائية للحماية المدنية بوهران أبوابا مفتوحة، استقبلت خلالها العديد من المواطنين من أجل تقديم شروحات حول عمل هذه المصالح، من بينهم براعم روضة الرياحين رفقة مربياتهم، تم إستقبالنا نحن أيضا من قبل الطاقم العامل بهذه الوحدة، وعلى رأسهم قائد الوحدة الرائد خوريس مخطار ، الذي قدم لنا شروحات كافية وافية عن عملهم، الذي يتسم بالإنسانية بالدرجة الأولى، ويغلب عليه الضمير المهني، لأن رجل الحماية المدنية كما أكد لنا محدثنا، يعمل حتى في خارج أوقات الدوام الرسمية، ولا يبقى مكتوف اليدين إذا ما وقع حادث أمامه فيتدخل من أجل إنقاذ روح أو ممتلكات الغير وإبعاد الخطر عن باقي المواطنين. • تدخل خارج أوقات العمل لإنقاذ أرواح بريئة وأضاف محدثنا أن الواقع يشهد على المبادرات الفردية لأعوان الحماية المدنية الذين تدخلوا في خارج أوقات عملهم في عمل بطولي سمع به القاصي والداني، على شاكلة ما قام به العون "عبد القادر سحنون " المعروف باسم " قادة " الذي كان في عطلة رسمية، ومع ذلك سارع إلى التدخل وإنقاذ سيدتين حاصرتهما ألسنة اللهب داخل شقة بعمارة بوهران في جوان 2019، وذلك بتحويلهما عبر نافذة المسجد المجاور للعمارة، بالإضافة إلى الحادثة الأليمة التي راح ضحيتها العون "عبدلي أمين"، الذي قام في جويلية 2018 بإنقاذ شخص من الغرق في شاطئ البرج الأبيض بوهران، لكن للأسف الشديد لقي حتفه في ظروف مأساوية، وغيرها من الحوادث التي رواها لنا زملاء المهنة بحسرة تارة أسفا على رحيل البعض، وبفخر كبير لما قام به هؤلاء من أجل البشرية. ومن بين المآسي التي عاشها أعوان الحماية المدنية، يذكرون لنا فترة الجائحة، التي عاشوها من بدايتها، بل كانوا في الصفوف الأمامية على إعتبارهم أول من كان يتلقى نداء النجدة، وأول من كان في مواجهة المريض، لكن تم تدعيمهم بلباس خاص وكانت لديهم تعليمات صارمة من المديرية العامة بضرورة تطبيق كل البروتوكول الصحي من بدلة خاصة، وقفازات وكمامات وتعقيم عند الخروج والدخول للمكان والسيارات ولكل فرقة العمل، لكن هذا لا ينفي كما قالوا أنها كانت فترة عصيبة عانوا فيها من كثرة نداءات النجدة ومواجهة الخطر، وعدم توفر أسرة لإستقبال المصابين، حيث كثيرا ما ظلت سيارات الحماية المدنية تجوب شوارع المدينة في ساعات متأخرة من الليل من أجل إيداع المريض واحدا من المستشفيات، ناهيك عن فترات الحجر التي كانوا فيها بعيدين عن عائلاتهم كل 14 يوما، ومنهم من حمل الفيروس إلى أسرته، وفقدوا في هذه الفترة زملاء لهم بسبب الوباء، وعملوا تحت تأثير القلق، والخوف من العدوى حتى فيما بينهم خاصة في بداية الجائحة، ومع هذا يقول محدثونا أن هذا لم يؤثر عليهم في تأدية واجبهم النبيل. • إختناقات الغاز في مقدمة التدخلات أما فيما يخص التدخلات التي تقوم بها مصالح الحماية المدنية بوهران، فنجد بالدرجة الأولى إختناقات الغاز التي تعرف تصاعدا كبيرا كما أكد لنا ذلك قائد وحدة الشهيد علي موسى ببلاطو الرائد خوريس مختار، الذي أضاف بأنهم يقومون بحملات تحسيسية متواصلة عبر وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة وحتى المرئية، ويركزون على المؤسسات التربوية من أجل خلق ثقافة وقاية لدى الطفل، وبين المواطنين الذين يطلبون منهم توخي الحذر من خلال ترك منافذ التهوية، ومراقبة الأجهزة المستعملة مثل سخان الماء ، المدفئات، آلات الطبخ، والمواقد وغيرها للحد من الإختناقات. وفي الدرجة الثانية من التدخلات نجد حوادث المرور على إعتبار أن مدينة وهران لديها مداخل كبرى وحركة سير كثيفة، لكن الملاحظ كما يضيف محدثنا أن الحوادث تسجل في المناطق الحضرية وفيها وفيات في بعض الأحيان، وهذا شيء غريب من المفروض أن لا يكون، لأن السرعة محددة في هذه المناطق، لهذا فقد سطرت مصالح الحماية المدنية برنامجا بالتنسيق مع مختلف المصالح كأمن الطرقات والشرطة، على شكل خرجات ميدانية على مستوى المحاور الكبرى، لتقديم إرشادات ونصائح للسائقين خاصة لمرتادي المسافات الطويلة كالحافلات والشاحنات من أجل أخذ قسط من الراحة وتفادي السرعة، وتوخي الحذر. وهذا بالإضافة إلى تدخلات أخرى يقومون بها كالإنهيارات، إجلاء المرضى، وإنتشال جثث الغرقى التي تتم تقريبا يوميا حتى في الشتاء بسبب الهجرة السرية. • رتل متنقل لتفادي حرائق الغابات وفي الصيف نجد الحرائق التي تكون سمة هذا الموسم، حيث يقول محدثنا أنه في كل موسم إصطياف يتم تسطير برنامج خاص للتدخل، وهذا من خلال تنصيب ما يسمى بالرتل المتنقل المتكون من عتاد متكامل، يبقى طيلة موسم الإصطياف من الفاتح جويلية إلى 31 أكتوبر متمركزا على مستوى الغابات الكثيفة، مثلا في وهران يكون على مستوى عين الكرمة قريبا من غابة مسيلة وغابة مداغ وجبل الأسود، علما أن هذا الرتل متكون من شاحنات متخصصة وأخرى خفيفة قادرة على التوغل في المناطق الصعبة. وعن سبب تسميته بالرتل المتنقل لأنه يعمل في ولاية وهران، ويمكن الإستعانة به في الولايات الأخرى خاصة المجاورة حسب نوعية الحادث، وفيه حتى الأطباء، حيث يعمل أعوان الحماية المدنية بالتنسيق مع مديرية الغابات على إعتبار هذه الأخيرة هو أول متدخل في حال نشوب أي حريق غابي. وحسب الرائد خوريس مختار فإنه من ضمن إستراتيجيات الدولة التي سطرتها لهذا العام ، هو إقتناء طائرات متخصصة في مكافحة الحرائق الكبرى، هي موجودة تحت تصرف المديرية العامة، ويمكن من خلالها التدخل بأحدث الوسائل بالإضافة إلى الإحترافية الكبيرة لأعوان الحماية المدنية. كما تضع موسميا برنامجا خاصا بالشواطئ التي يتردد عليها المصطافون بكثرة في الصيف، وهذا بوضع مراكز على مستوى كل الشواطئ المحروسة على طول الساحل الوهراني، بفرق تعمل ليل نهار حسب التوقيت المعمول به، مع الإستنجاد بحراس متطوعين لتدعيم الفرق المتواجدة بالشواطئ، ويكون معهم غطاسون محترفون يقومون بالبحث وإنتشال الجثث حتى في البرك المائية والشواطئ غير المحروسة، مدعمين بزوارق مطاطية وزوارق صلبة وأخرى نصف صلبة . هؤلاء المتطوعون يتم انتقاؤهم عن طريق مسابقة في السباحة تجرى في مختلف مسابح وهران، ويتم تدعيمهم بتقديم تكوين لهم مدته 45 يوما في تقنيات الإنقاذ في الوسط المائي، ويوزعون على مراكز الحراسة عبر الشواطئ بمرافقة المحترفين وبتنظيم محدد. • المواطن شريك أساسي وثقافة إفساح الطريق ضرورية أما عن علاقة رجال الحماية المدنية بالمواطن فيؤكد محدثنا أنهم يعتبرونه شريكا لهم، إذ كثيرا ما دعمهم في عملهم وأثبت الجزائري إنسانيته وإستعداده للتضحية من أجل الغير، كما أن عملهم يكون مباشرة معه فهو أول من يتصل بهم من أجل طلب النجدة، لكن المشكل الذي يصادفهم هو حركة المرور التي تعرقل من مهامهم، ويكون المواطن هو المتسبب فيها، ويرفض إفساح الطريق أمام شاحنة الإطفاء أو سيارة الحماية المدنية لتمر، على إعتبار أن الوصول في الوقت المناسب من شأنه إنقاذ روح بريئة، كما أن وضع ممر خاص أو خط أصفر لمرور هذا النوع من المركبات حتى تصل في الوقت المناسب أصبح أكثر من ضروري، يضاف إليه ثقافة المواطن مما يسهل من مهام رجال الحماية المدنية للمرور . كما أن من بين الصعوبات التي تصادفهم نجد بعض السلوكات التي تصدر عن مواطنين، كثيرا ما يكونون تحت الصدمة كما يقول الرائد خوريس، الذي يضيف أنههم يتفهمون الوضع الذي يكونون عليه ويتقبلون تصرفاتهم، وفي هذا الإطار يقول بأنهم يتلقون تكوينا خاصا من أطباء الحماية المدنية، الذين يقومون بفحص دوري للأعوان للتأكد من سلامتهم البدنية والعقلية وقدرتهم على العمل الميداني، وفي حال ملاحظة أي خلل يحال العون على عمل آخر بعيدا عن التدخلات. ويزيد عن ذلك محدثنا أنهم حاضرون في الأوقات العصيبة، فمثلا ما حدث مؤخرا بمركب توسيالي، تمكنوا خلاله وفي وقت وجيز من السيطرة على النيران بفضل إحترافيتهم الكبيرة، ومنع إنتشار النيران إلى باقي الوحدات وهذا يدل على جاهزية الأعوان والعتاد المؤهل جدا لإنقاذ الأرواح والممتلكات وحتى الحيوانات في الظروف الملائمة وغير الملائمة، ناهيك عن وضع المديرية العامة للرقم الأخضر "10-21" والرقم "14" تحت تصرف الجميع، حيث يتلقون العديد من المكالمات يوميا على مستوى مركز التنسيق العملي من قبل المواطنين أو المؤسسات أو الشرطة من أجل إجلاء المرضى أو المصابين نحو المستشفيات والجثث نحو مصالح الحفظ، وفي هذا المركز يوجد "مخابرين" ، يتلقون المعلومة، فيقومون بمعالجتها عن طريق إعادة الإتصال والحصول على المعلومات المناسبة حول الحادث، ثم تحليلها لتحديد نوعية ووحدة التدخل، علما أن نسبة 10 بالمائة منها تكون مكالمات كاذبة، ومع ذلك يتم التغاضي عنها. الجدير بالذكر أن الجزائر حازت مؤخرا على رخصة دولية تسمح لأعوانها بالتدخل في أي دولة في العالم، دون أي عراقيل إدارية، وهذا بسبب الإحترافية الكبيرة التي يشهد لهم بها على المستوى الدولي، كما تم أيضا إنشاء فرق متخصصة للتدخل في الكوارث الكبرى، مستعدة للتدخل في أي وقت محليا ودوليا. كما نشير إلى أن البدلة الرسمية لأعوان الحماية المدنية الجزائرية أضيف لها شارة العلم الوطني، للتفريق بينهم وبين غيرهم من باقي الدول عند التدخل خارج الوطن، وهذا بعد حادثة إطفاء الحرائق في غابة بمرسيليا التي لم يقدر عليها الأعوان الفرنسيون وتفوق فيها رجال الإطفاء الجزائريين، لكن الصحافة الفرنسية أثنت على فرق الإطفاء الفرنسية لعدم تعرفها على من قام بالعمل لتشابه البدلة، وبعد إحتجاج الجزائر كان هناك إعتذار رسمي ومن هنا تم إضافة شارة العلم الوطني.

يرجى كتابة : تعليقك