التكنولوجيا تُحيل مصوري الأمس على التقاعد

التكنولوجيا تُحيل مصوري الأمس على التقاعد
مجتمع
كثيرا ما كنا قبل سنوات قليلة مضت نتصادف في الشوارع والأماكن العمومية مع أشخاص في متوسط العمر يضعون نظارات ويحملون على أكتافهم كاميرات ويعلقون على أعناقهم آلة تصوير صغيرة خلال مواسم الأعياد والمناسبات المهمة، أو على مقرُبة من التجمعات،.. إنهم المصورون الذين يحملون كاميراتهم وينادون على المارة من أجل التقاط صورة للاحتفاظ بها كذكرى، لكننا لم نعد نراهم في أيامنا هذه، حالهم حال مصوري الأمس الذي عرفناهم في طفولتنا وشبابنا قبل تطور آلات التصوير الفوتوغرافي، والذين كانوا في معظمهم رجالا كبارا في السن يملكون خبرة طويلة في مجال التصوير الفوتوغرافي الذي يعملون فيه بكل شغف ومتعة في التقاط الصورة واختيار الزاوية المناسبة . كما تنحصر ذكريات طفولتنا في صورنا الملتقطة أيام العيد والدخول المدرسي وأثناء شراء ملابس جديدة، وكان المصور بمثابة حافظ للذكريات والأوقات السعيدة، فكان الجميع يقصده في أبهى حلة كما كان يوم استخراج الصور بعد تحميضها واحدا من بين أسعد الأيام، أين تختلط فيه مشاعر الفرحة والإثارة مع الترقب كيف ستكون الصورة ..كل هذه التفاصيل كانت جزءا من حياتنا اليومية آنذاك وذكرياتنا السعيدة مع أشخاص أحببناهم فتقاسمنا وإياهم مساحة صغيرة داخل صورة التقطها شخص محترف أوقف الزمن عند اللقطة المناسبة . . ..لكن، بعد موجة التطور الكبير في مجال الهواتف الذكية التي تحولت إلى أداة للتصوير بفضل التحديثات التي أدخلتها الشركات على كاميراتها أصبحت هذه الأخيرة تنافس الكاميرا التقليدية في التقاط صور عالية الجودة وأصبح الكل وكأنه قد احترف التصوير ،وتمكنت الهواتف الذكية من سرقة مهنة التصوير من أصحابها الحقيقيين الذين كانوا طوال عقود يعملون داخل استوديوهاتهم الخاصة ويترددون على المحلات المختصة لشراء أفلام التصوير التي توضع في الكاميرات ذات الحجم الكبير، لتصبح بعد ذلك شريطا يتم تحميضه للحصول على الصورة التي لطالما حفرت لنفسها مكانا خاصا ومميزا في ذاكرتنا لا يقارن بالصور المتحركة لأنها لحظة واحدة ثابتة من الزمن التقطها شخص محترف، وتمكن من تجميدها والإمساك بها. وبالرغم من عراقتها إلا أن مهنة التصوير الفوتوغرافي لم تكن بمعزل عن التكنولوجيا التي غيرت فيها الكثير من الأمور خلال السنوات الماضية، وهو ما انعكست تبعاته على العاملين فيها بشكل متسارع، حيث أصبح الجميع يعتقد أن سر الصورة المميزة في جودة الكاميرا التي التقطتها، وفي مدى تطور التقنيات التي فيها وبهذا الشكل سادت فكرة أنه بفضل التقنيات المتطورة أصبح الكل قادراً على احتراف التصوير الذي وجد أهم المحترفين فيه أنفسهم يعيشون البطالة الجبرية بعد تراجع عدد الزبائن التي كانت تتردد عليهم لترسيخ الذكريات، فلم يعد الأشخاص يذهبون إليهم إلا في أضيق الحدود لالتقاط صور خاصة بالملفات الإدارية لا غير، وهو ما أثر سلبا على أصحاب الحرفة الذين كانوا في وقت مضى يتخذونها باب رزق لهم ولعائلاتهم، وكان لهم مكان خاص ضمن حياتنا و يومياتنا . في الأخير يمكن القول أن الصورة الفوتوغرافية تحمل إشارات ذات بنى فكرية وحسية ونفسية تسير التفاعل البصري عند المشاهد الذي يندمج مع الأزمنة ،فيرى الواقع في الصورة الماضية خيالا في الحاضر، وهو ما يضفي عليها ميزتها الجمالية، فعمق الدلالة في الصور يتفاعل تعبيرا مع الزمن، لأن ثبات الماضي أصبح مقروءا في الحاضر من خلال الصور الفوتوغرافية القديمة التي تحاكي الزمن كعنصر ثابت في توجيه الصورة المتحركة لدعم حواس المشاهد، كما أنها تبدو كمتحف يفتح أبواب الماضي ويرصد مدى التغيير والتحول ومدى سرعة الزمن الذي توصّلنا إليه، فالصور شاهد حقيقي، لا يقبل التزييف ولا يتأثر بـ "الفوتوشوب. ".

يرجى كتابة : تعليقك