البرمجة لمدة ثلاثين يوما من المفروض ان تترك اثرا في النفوس؛ ويبقى الأثر بقدر عمق التجربة و كثافة المشاعر المصاحبة لها ، سواء كان ذلك من الناحية الإيجابية أو السلبية، و سواء كانت مسألة متعة أو ألم.
ذلك أن الانسان لديه ذاكرة انتقائية تحتفظ على السطح بالأحداث و الذكريات ذات التفاعل أكثر من غيرها، و تخزن في أعمق الأعماق ما بقي من تجارب و خبرات باردة كان فيها الاكتفاء بمجرد النظر أو مجرد السماع..
لذلك عندما تعيش رمضان و تريد أن يترك فيك أثر التقوى المرجو و التغيير المرغوب، فعليك ان تعيشه كاملا بالصوت و الصورة و الحركة و جميع الحواس..
تشاهد ما يناسب و تسمع ما يناسب و تفعل ما يناسب حتى تشم و تتذوق طعم الصيام و القيام و التعبد بكل جوارحك و بقلبك و روحك...لذا من المهم حسن إدارة الوقت و حسن أخذ القرارات.
فمثلا اختيار المسجد و الإمام الذي يشعرك بالراحة و الخشوع في الصلاة بالقراءة المرتلة الواضحة المفهومة التي تلامس القلوب قبل الأسماع، حتى يتلذذ الانسان بالخشوع و بالمعاني و العبر التي تحملها الآيات؛ و هو ما سيغيب في حال القراءة السريعة التي تستهدف الكم عل حساب الكيف، وإن كان من يختم في نظري أفضل من المقل ، خصوصا و نحن نتكلم عن سنة غير واجبة فلا معنى للتحجج بالصغار و العاجزين..
و بالنسبة للصوم فمن المهم عدم الانجراف وراء تيار المائدة، بل الاكتفاء بما يقيم الصلب و يكسر الجوع و يحقق شبعا معتدلا ، و ليس تخمة خانقة معيقة عن الاستمتاع ببقية الليلة، حتى صارت إشهارات رمضان أغلبها عن مشاكل الهضم و الإمساك و الغازات؟؟؟
و حتى يكون الأثر أعمق ، يحسن بالمسلم ان يتعهد شخصا أو أسرة أو يتعاون مع جمعية من الجمعيات في تقديم وجبات الإفطار و احتياجات رمضان و العيد؛ و لا يكتفي فقط ببذل نصيب من المال بل يشارك في الخدمة، في توزيع الطعام ، في غسل الأواني ...و غيرها من المهام حتى يحتك مع المحتاجين عن قرب فيرى عيونهم اللامعة و الدامعة و الممتنة و يستشعر ثمرة جهده و إنفاقه و يشارك مع المتطوعين تلك الأعمال الخيرية التي تمتاز بالتضحية براحة الجسم و مفارقة الاهل في وجبة الإفطار و إيثار التواجد هناك في صفوف العاملين في خدمة الغير، الساعين لإدخال الفرحة على قلوب المساكين طمعا في نيل رضا الرحمن و الفوز بالجنة و ذلك هو الفوز المبين.
و بالنسبة لما يشاهده من برامج، فيختار الصائم ما يكون أطيب عرضا و أكثر نفعا في دينه و دنياه علما و فهما، و يبتعد عن برامج السفهاء الذين يفسدون اخلاق الناس بما يعرضونه غير مراعين لخلق أو حياء، بحجة عرض الواقع في حين تكون كثير منها مبالغات و إسقاطات و أحكام مسبقة و قصص شاذة يراد لها أن تصير طبيعية في مجتمعاتنا بفعل الاستمرار في التسطيح و التكرار.
و بما أن الأعمال بخواتيمها، فمن المهم ان يكون اجتهادنا في نهاية الشهر أكبر و أحسن منه في بدايته لتكون الخاتمة مشرقة و سعيدة و يكون الزاد أوفر و أكبر و يكون الأثر أعمق و أظهر على مدار ما يأتي من اشهر. لذا لا بد من الصبر و الاستمرار إلى آخر لحظة يتم فيها الإعلان عن هلال شوال، فنفرح باليوم السعيد.
تقبل الله منا و منكم الطاعات
